Menu

مرد انفضاض الناس من حول "الحرب" 

حمدي فراج

حمدي فراج

      

أصبح موضوع "الحرب" على غزة، موضوعاً منفراً بالنسبة للناس عموماً، هنا وفي الخارج، يهربون من متابعته على الشاشات، بغض النظر عن وجهة نظر ممولها، كذلك الحال بالنسبة للقراءة عنها، سواء من يفسرها أو من يبررها، من يؤيدها ومن يعارضها.

مرد هذا الانفضاض من حول متابعة هذه الحرب، ما تسببه من ألم يدمي القلب، خاصة تقتيل الأطفال وتجويع الناس وعمليات الهدم التي لا تتوقف، وقد طال الأمر حتى بلغ ما بلغه من نهارات طويلة وليال أطول، مشوبة بالخوف والحزن والألم والتشرد والجوع والتحسر على أمل لا يأتي، أو على الأقل طال انتظاره عشرة أشهر.

   مرد الانفضاض الثاني هو الملل، حالة متقدمة من الإشباع لكثرة ما رأوه وما سمعوه وما قرأوه حتى أصبح الفرد يشيح بوجهه عن أخبار هذه الحرب، مشاهد متكررة، محللون متكررون،  كتاب يعيدون ما كتبوا، صناع قرار لا يصنعون أي شيء جديد، حتى باتوا منكشفين أنهم يكذبون، وأنهم لا يستطيعون صناعة قرارات جديدة ذات وزن ومعنى، بأن يوقفوا هذه الحرب، أو على الأقل ينجحون في عدم استمرار تجويع الناس، وتقديم العلاج للمريض والجريح، والحامل أن تضع مولودها بأمن وسلامة، والرضيع أن يجد حليبه بعد أن جف ضرع أمه، والأطفال من يلجم عواء جوعه وعطشه، وحد أدنى من ألعابه التي أصبحت منعدمة أو من كماليات غزة.

في الأشهر الأخيرة من عمر هذه "الحرب"، وما هي بحرب، بل بعدوان إبادي غير مسبوق، على الأقل من حيث الأمد، في الأشهر الأخيرة، كف القيمون على حقوق الأنسان، من الإقدام على اتخاذ قرارات، كما الجمعية العامة للأمم المتحدة التي صوتت بنحو 150 دولة على وقف الحرب. مجلس الأمن الذي اتخذ القرار رقم 2735  بالإجماع تقريباً، ومحكمة العدل التي عبرت بوضوح أن الحرب تحمل مؤشرات الإبادة، ومحكمة الجنايات التي قررت إصدار مذكرات اعتقال بحق نتنياهو ووزير دفاعه على أنهما مجرما حرب، وها هو الأول بصدد الذهاب إلى أميركا بدعوة من الكونغرس، في حين عاد الثاني لتوه من زيارة واشنطن بدعوة من البيت الأبيض.

أما مرد الانفضاض الثالث فهو انكشاف حجم أكاذيب الساسة، أكاذيب تكاد تكون سائدة لا متنحية، منكشفة لا مستترة، شاملة لا مقتصرة، متكررة لا منحصرة، هذه الأكاذيب، مطعّمة بالغباء حيناً والعجز حيناً آخر. الغباء غربي إسرائيلي، حيث بإمكانهم وقف الحرب على كل جبهاتها بمجرد أن تتوقف في غزة، والتي أصبحت قاب قوسين من توقفها ذاتياً، فلا الجيش قادر على الاستمرار، ولا المقاومة قابلة للانكسار، وهذا ما يقوله العسكريون والأمنيون الأميركيون والإسرائيليون على حد سواء. الميناء العائم الذي أعلنت أميركا عن انهائه بشكل دائم كلفها نحو 400 مليون دولار، مثال مصغر عن هذا الغباء. أما العجز المطعمة به أكاذيب الساسة، فهو عربي بامتياز.